وصف الكتاب
شكلت النهضة اليابانية نموذجاً للدراسات النهضوية بوصفها الوحيدة التي نجحت خارج إطار المركزية الأوروبية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ونحاول هنا إظهار أبرز سمات حركة التحديث اليابانية، إذ تناولتها بصورة مفصلة في كتب ومقالات سابقة. إن حركة التحديث اليابانية ما زالت مستمرة بصلابة بعد أن أقامت التوازن بين الأصالة والمعاصرة، وباتت نموذجاً يحتذى لكثير من تجارب التحديث في العالم، خاصة الصين والهند ودول النمور الآسيوية.
بنيت سياسة الإصلاح في اليابان على قاعدة ثابتة تشدد على خصوصية اليابان عبر التاريخ. فشعبها متجانس، ويقيم -كما يرى- على أرض مقدسة ترعاها الآلهة، والإمبراطور نفسه من سلالة الآلهة، وهو بمثابة الأب الروحي لجميع اليابانيين، وهم يشكلون عائلة واحدة لها دولة مركزية واحدة تعتبر جميع اليابانيين متساوين في الحقوق والواجبات دون الأخذ في الاعتبار أي انقسام طبقي أو لغوي أو ديني أو عرقي.
اقتبست اليابان عن دول الغرب الكثير من النظم، والمقولات الإصلاحية، والنظام المالي، والتعليم العصري، والدستور، والفن العسكري، والتكنولوجيا. ونجحت في بناء حداثة حقيقية عجزت عن بنائها مجتمعات أخرى فسقطت في التبعية والتغريب. إلا أن القيادة اليابانية وجهت حركة التحديث لصالح الإمبراطور الذي تفرد باتخاذ القرارات المصيرية، تسانده قوى عسكرية ذات نزعة توسعية، واحتكارات رأسمالية ضخمة. فتحولت اليابان خلال فترة زمنية قصيرة إلى واحدة من أقوى الدول الإمبريالية في العالم. وذهبت ثمرات التحديث لصالح الاحتكارات وليس لمصلحة الشعب الياباني. وسيطرت اليابان على كثير من المناطق الآسيوية المجاورة لها، وأقامت فيها حكماً استعمارياً لا يقل بشاعة عن الاستعمار الغربي في مناطق احتلاله. ورغم وقوعها في الجانب الآسيوي من الكرة الأرضية، باتت اليابان تنتسب إلى نادي الدول الغربية الكبرى ذات التأثير المباشر على الاستراتيجية الكونية عند مشارف القرن العشرين.
تقدم هذه الدراسة صورة شاملة حول مواقف بعض المستعربين اليابانيين من القضايا العربية في القرن العشرين. وهي دراسة جديدة تسلط الضوء على الأسباب العميقة التي ساهمت في ولادة ",الاستعراب الياني",، وتمايزه عن الاستشراق الغربي.
كما تظهر مساندة بعض المستعربين اليابانيين للقضايا العريبة، الوطنية منها والتحررية، ومواقفهم المتوازنة تجاه الصراع العربي-الإسرائيلي. ونظراً لوفرة المادة الوثائقية المتوافرة لهذه الدراسة من جهة، والحجم المحدود لصفحاتها من جهة أخرى، تم الاكتفاء بإشارات مكثفة جداً للتعريف بأبرز رواد الاستعراب الياباني، وبعض عناوين دراساتهم في مجال التاريخ العربي، والتراث الإسلامي.