وصف الكتاب
إن كل ما نرمى إليه، من هذه المحاولة المتواضعة، أن نعرض أسلوباً علاجياً يعتمد على عوامل اجتماعية وروحية. إن ممارسة هذا الأسلوب العلاجي يحتاج إلى إيمان من جانب المعالج. ومعنى هذا أن ممارسته لا تقتصر على فئة قليلة من الأفراد، بل يتسطيع أن يمارسه المعلم والموجه ورجل الدين والمعالج النفسى.
سوف نطلق على التحليل النفسى وغيره من الوسائل العلاجية المعاصرة، الاصطلاح ",علاج نفسى دنيوى", لأنه يعتمد على أساليب ومفاهيم ومبادئ اخترعها البشر، فى حين أن اساليب العلاج النفسى الدينى تقوم أساساً على أسس ومبادئ روحية دينية، أخلاقية، كالتوبة والتكفير والغفران والقيم الروحية والعواطف الدينية.. إلخ
إن العلاج النفسى الدينى يعتمد اعتماداً كبيراً على التوجيه والاستبصار، وعلى معرفة الفرد لنفسه ولربه ولدينه، وللقيم والمبادئ الروحية والخلقية. إن هذه المعرفة ",غير الدنيوية", المتعددة الجوانب والأركان، تعتبر مشعلا يوجه الفرد فى دنياه ويزيده استبصاراً بنفسه وبأعماله وذونبه وآثارمه وطرائق تكيفه فى حاضره ومستقبله.
إن كلا من المذهب الدينى والمذهب الدنيوى يعترف بالصراع كعامل ديناميكى فى الاضطراب النفسى، إلا أن المذهبين يختلفان فى مصادر ذلك الصراع، فقد أقام ",فرويد", مثلا، وهو أحد دعاة المذهب الدنيوى، نظريته فى الصارع على أساس بيولوجي غريزى، فى حين أن المذهب الدينى أمام نظريته فى الصراع على أساس روحي، أخلاقى، إنساني، كالصراع بين الخير والشر، بين النور والظلام، بين القيم والعواطف الدينية والأخلاقية وبين إغراء الشيطان.. ونحوها.
إن كل ما يحتاجه الإنسان القلق- حسب المفهوم النفسى الدينى- ليس إلا تحليلاً نفسياً يقوم على دراسة النزعات المكبوتة فى اللاشعور، والعمل استرجاعها وتبصير المريض بها والعمل على قبولها أو رفضها، معتمداً فى كل ذلك على تعديل سلطة ",الذات العليا", والتخفيف من قسوتها إن العلاج النفسى الدينى، لا يطرق أبواب اللاشعور ولا يعترف بكبت النزعات الغريزية. إن العلاج فى نظر المدرسة الدينية والذى يعتمدا أساساً على مفهوم القلق عند أصحاب هذه المدرسة، يعتبر العملية العلاجية، عملية توجيه وتربية وتعلم. إن العلاج النفسى فى نظرهم عبارة عن عملية تهدف إلى تنمية القوى البناءة فى نفس الإنسان وإعادة التلقائية إليه وتقوية ثقته بنفسه.
إن هذا المنهج الجديد فى العلاج النفسى والذى أوضحناه فى هذا الكتاب، يقوم كما ذكرنا على مجموعة من المبادئ الدينية والقيم الخلقية.
والمنهج كما أوضحنا منهج بسيط لا يحتاج إلى خبرة إكلينيكية عمقية، بل إلى فهم جيد للطبيعة الإنسانية، وعن طريق هذا الفهم يستطيع الموجه أن يقوم بإعداة بناء الذات تقوية ثقة الفرد بنفسه ودينه، وبذلك يتحرر الشخص المضطرب من مشاعر الإثم والخطيئة التى كانت تهدد أمنه وتجعله فى دوامة من الخطر. ويعتبر هذا الشعور من أسوأ ما تبتلى به النفس البشرية: ويقول فى ذلك الشاعر الألمانى (شيلر) فى مسرحيته ",عروس مينا",:
",لا يمكن أن تكون الحياة أغلى ما يمتكله الإنسان طالما تسيطر على الإنسان مشاعر الإثم",