وصف الكتاب
إن ولادة الحركة الإسلامية في الجزائر، مثلها مثل إنضاجها، تبقى مدينة بالدرجة الأولى للجهود التي بذلتها بعض الشخصيات السياسية المستقلة الرافضة ورهن بإنضاج فكرها السياسي الخاص، وبخاصة ما بذله أقدم التيارات السياسية الإسلامية، تيار الإخوان المسلمين الجزائري. سوف يضع هذا الأخير، الأفضل تنظيماً بفضل مساعدة المتعاونين القادمين من المشرق، الأطر التنظيمية القاعدية التي مكنت الحركة الإسلامية في التطور وكسب تأييد قطاعات بأسرها من المجتمع الجزائري. وسيكون من جهة أخرى في طليعة من انتقلوا من المطالبة الأخلاقية إلى المطالبة السياسية معبرين عن معارضتهم للثورة الزراعية أولاً، ثم للميثاق الوطني باللجوء، في الحالة الأخيرة، إلى التخريب بهذا المعنى لا يمكن حصر ظاهرة العنف الإرهابي في الجزائر التي اتخذت أبعاداً مأساوية إثر تعليق المسار الانتخابي في كانون الثاني/يناير 1992، بمجرد رد فعل ",مشروع",، إنها معطى أساسي في الحركة الإسلامية، فهذه تؤدي حتماً إلى استخدام القوة بمعزل عن شكل مطالبتها (الأخلاقية أو السياسية) اللجوء إلى السلاح هو الملاذ الأخير. وما شأن الجبهة الإسلامية للإنقاذ في نزوع هذه الظاهرة، فهل من مسؤولية تتحملها في تشكيل مجموعات مسلحة وإشعال فتيل الإرهاب؟ الجواب هو بالضرورة موجب نظراً لتعدد الاتجاهات التي حكمت تأسيسها، وللخطاب والممارسة اللذين طبعا وجودها.
ضمن هذه الرؤية يأتي البحث في هذا الكتاب حول المأساة الجزائرية الناتجة عن الإسلاموية السياسية. في هذا البحث محاولة التوضيح جذور المأساة التي تعيشها الجزائر منذ تعليق انتخابات كانون الثاني/يناير 1992، وهذا اقتضى تفهم طبيعة العنف الذي يعصف في البلاد ويذهب ضحيته عشرات الألوف من القتلى، مهدداً انهيار ركائز الدولة الجمهورية، بل ركائز المجتمع والأمة الجزائريين. غير أن هذا العنف وإن كان ناجحاً، كما سيتم إثباته في هذا البحث، عما تميّز به تطور الجزائر التاريخي والسياسي، وقد غزت تناقضاته الداخلية، فهو ليس بوسعه طمس ما يعود للتداخلات الناجمة عن التغييرات الاقتصادية والسياسية التي برزت على الساحة الدولية جراء تفكك نظام التوازن العالمي الذي كان يوفر لدول الجنوب الفتية استقراراً نسبياً، ويحافظ في الوقت ذاته على أمر واقع مصان نبه أمن كل الدولتين العظيمتين العسكريتين.