الجغرافيا السياسية هي أحد فروع الجغرافيا البشرية الذي يعنى بدراسة التفاعل المكاني بين الظواهر الجغرافية والسياسية. وتهتم بدراسة الظواهر السياسية وعلاقاتها بالمكان، فهي تحليل مكاني للظواهر السياسية. وتدرس العوامل الجغرافية (الطبيعية والبشرية) وأثرها على القرارات السياسية، وأثر الأخيرة على الظواهر الجغرافية، وتختلف الجغرافيا السياسية۔ عن الجغرافيا البشرية في أن الأخيرة تهتم بدراسة علاقة البيئة بالمجتمعات بدون أطر سیاسيه في حين تهتم الأولى بدراسة الأطر السياسية للظواهر الجغرافية.

وتعتبر الجغرافيا السياسية فرعا جغرافيا هاما قائما بذاته استقر عليها الرأي بين الأكاديميين الجغرافيين وهي بذلك تشبه غيرها من فروع الجغرافيا التي تتطلب التكامل المعرفي بين المناهج العلمية والعديد من فروع المعرفة لكي تستقي في النهاية المذاق الجغرافي المميز للجغرافيا السياسية.
والجغرافيا في الأساس هي علم سياسي، لكن الجغرافي أو العالم الذي يتعاطى الجغرافيا ليس هو الذي يمارس السلطة. رؤية الجغرافي للعالم، أو للبلاد التي يعيش فيها، تبدو أحيانا قريبة من رؤية الحاكم. لكن الجغرافي ليس الأمير، ولا يمكنه في أفضل الحالات إلا أن يكون أحد مستشاري الحاكم. ولا يمكن فهم وظيفة الجغرافيين، من دون طرح مشاكل السياسة ( ميشال نوفل، اعادة الاعتبار للجغرافيا، مركز الدراسات الاستراتيجية، 1993، ص 1).
وتأتي أهمية الجغرافيا السياسية في كونها استطاعت أن تفسر بدقة كثيرًا من كليات وجزئيات الظاهرة السياسية في القرون الأخيرة، خاصة ما يتعلق منها بصراع الاستراتيجيات للقوى الإقليمية والدولية، والتسابق بين الدول ذات الاستراتيجيات العظمى المتنافسة على الترتيب داخل منظومة المجتمع الدولي.
والجغرافية السياسية حديثة العهد نسبيا اذ ترجع نشأت هذا الفرع البداية القرن العشرين ويعتبر الجغرافي الالماني راتزل (1844-1909م) المؤسس الحقيقي له وظهرت أراؤه في كتابه الجغرافية السياسة سنة 1897 وتتميز الجغرافية السياسية بطابع العالمية والشمول بحيث اصبح بالامكان القول بوجود جغرافية سياسية للعالم اجمع كما تتميز باتساع مجالاتها لكثرة دول العالم وتعقد العلاقات الداخلية والخارجية لها.
ولكن القول بحداثة هذا الفرع من الدراسة لا ينفي حقيقة ان الجغرافية السياسية قد تعاملوا مع فكرة لها جذورها القديمة ، لأن دراسة الدولة في بيئتها الطبيعية كانت تعد احد الموضوعات الفلسفية التي اهتم بها الطلاب في السياسية والتاريخ والجغرافية، حيث يعد ارسطوا من اقدم الجغرافيين السياسين، فقد طرح العديد من الافكار حول التفاعل بين سكان الدولة واقليمها كالعلاقة بين السكان والمساحة ومدى تاثير ذلك على حيوية الدولة وقوتها والاعتبارات التي تراعى عند اختيار العواصم.
كما تناول افلاطون (428-347 ق م ) في كتابه عن الجمهورية بعض الموضوعات التي ترتبط بالجغرافية السياسية حيث كان يرى أن المدينة الدولة ، هي الشكل المناسب للسكان ، كما اشار الى نشأت الدولة وان وحدتها تتحقق من خلال ترابط سكانها وتجمعهم كما كانت الجغرافية من بين ما اهتم بها أغسطس (63 ق م - 14م) وكذلك سترابو (64ق م -23م) الذي أشار في كتابه الجغرافية الى أن الحكومة المركزية القوية من خلال حاكم قوية يمكن أن تقيم امبراطورية قوية مزدهرة ومن ارائه آن ايطاليا بسبب موقعها المتميز ومناخها الملائم ومواردها المتعددة تعد مكانأ طبيعية ملائمة لقيام دولة قوية .
ومن أبرز العرب هو ابن خلدون ( عبد الرحمن بن محمد ) (732ه - 808ه) ( 1332م1406م) الرائد الأول في مجال الكتابة بموضوعات الجغرافية السياسية . ويشهد بذلك مقدمته من كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في ايام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر . ويقول ابن خلدون أن الأوطان الكثيرة القبائل والعصائب اقل من ان تستحكم فيها الدولة . والسبب في ذلك اختلاف الآراء والأهواء وان وراء كل رأي وهوى عصبية تمانع دونها فيكثر الانتفاض على الدولة والخروج عليها في كل وقت.
ونلاحظ هنا من الناحية المنهجية البحتة أن الثورة الكمية والثورة السياسية المعاصرة التي يجتازها العالم اليوم قد سببت نهضة كبيرة في الجغرافيا السياسية، هذه التي وصفت في حين ما بأنها شريدة الأسرة الجغرافية the wayward .child of geog (كارل ساور).
ولعل هذا ما اسهم في ظهور قوي للجغرافيا السياسية التطبيقية وبتعبير جمال حمدان فإنه قد حان الوقت لكي يجعل الجغرافي السياسي التخطيط السياسی جزءا طبيعيا من خبزه اليومي، وأن يتقدم إليه جادا كجزء من رسالته.
ويتألف هذا الكتاب من 11 فصلا، يتناول الفصل الأول ماهية الجغرافيا السياسية من حيث معناها ومغزاها ونشأتها وتطورها ومجالات الدراسة فيها. وعلاقاتها بالعلوم الاخرى خاصة علم السياسة وكذلك مناهج البحث فيها. ويعرض الفصل الثاني للدولة كموضوع محوري رئيس في الجغرافيا السياسية، ويتناول مفهوم الدولة والامة وكذلك نشأة الدولة وتطورها، ونظريات نشأة الدولة التقليدية والحديثة، وتصنيف الدول، والعواصم، وكذلك يتناول منطقة النواة أو قلب الدولة.
ويدرس الفصل الثالث العوامل الطبيعية المؤثرة في قوة الدولة والتي من أهمها موقع الدولة، وحجم الدولة وشكلها، كما يتناول المظاهر الطبيعية في الدولة كالتضاريس والانهار، ثم ينتهي الفصل بدراسة دور المناخ في قوة الدولة.
أما الفصل الرابع فيعرض للعوامل البشرية المؤثرة في قوة الدولة مثل حجم السكان وتوزيعهم، وأنواع التراكيب السكانية المختلفة سواء التركيب حسب الجنس والتركيب القومي وحسب الدين واللغة، ثم يتناول هذا الفصل الاقليات وأنماطها، وكذلك الهجرة سواء الدولية أو اللاجئين.
ويتناول الفصل الخامس الحدود السياسية، من حيث تعريفها ونشأتها، ومشكلة تعريف الحدود والتخوم، كما يتناول وظائف الحدود وتصنيف الحدود وأنواعها، ومعايير ومراحل تخطيطها.
كما أن هذا الكتاب يعد أول كتاب في الجغرافيا السياسية العربية يتناول الجغرافيا السياسية للمياه، فيعرض للابعاد الجغرافية السياسية لمياه البحار، ونطاقات المياه البحرية، وتحديد المياه الاقليمية ووظيفتها، والابعاد السياسية للمضايق الدولية. كذلك يتناول هذا الفصل الجغرافيا السياسية للمياه العذبة خاصة العابرة للحدود مثل، الانهار والبحيرات والمياه الجوفية العابرة للحدود.
أما الفصل السابع فقد تناول الجغرافية الانتخابية من حيث، ماهيتها وأهميتها وعلاقتها بالجغرافيا السياسية، وكذلك نشأتها وتطورها وأنماطها، ومناهج البحث فيها.
وإيمانا بأهمية الاتجاه الجيوبوليتيكي في الجغرافيا السياسية فقد جاء الفصل الثامن ليتناول علم الجيوبوليتيكا من حيث، ماهيته وتعريفة، ونشأته وتطوره، وكذلك الفرق بينه وبين الجغرافيا السياسية، وأهم النظريات الجيوبوليتيكية.
أما الفصل التاسع فقد تناول جغرافية الحرب والسلام، من حيث، تعريف جغرافية الحرب ونشأتها وتطورها، ومناهج البحث فيها، وتصنيف الحروب والعوامل الجغرافية المؤثرة فيها. كما تناول الفصل جغرافية السلام، من حيث، مفهومها والجغرافيا السياسية لكل من مبادرات السلام وحركات السلام والدبلوماسية.
وجاء الفصل العاشر تحت عنوان جغرافية العلاقات الدولية، من حيث، ماهية العلاقات الدولية وتصنيفها، والعوامل الجغرافية المؤثرة فيها، وكذلك تناول المنظمات الدولية بأنواعها المختلفة، والشركات متعددة الجنسيات، كما تناول الاحلاف العسكرية، والتكتلات الاقتصادية.
أما الفصل الحادي عشر والاخير فقد جاء تحت عنوان، النظام العالمي الجديد، وتناول تعريف النظام العالمي، والتحولات التي طرأت عليه، ودور كل من روسيا والصين، كما تناول السيناريوهات المستقبلية للنظام العالمي الجديد.
ونحن إذ نقدم للمهتمين بالجغرافية السياسية هذا الكتاب نستهدف منه التثقيف المنهجي وترويج الثقافة الجغرافية خاصة المرتبطة بالجغرافيا السياسية نظرية وتطبيقا، ونتمنى أن يستفيد منه الجميع، ونرجو من الله الثواب.
وعلى الله قصد السبيل
المؤلفان