وصف الكتاب
كتاب عدنان حب الله ذو أهمية راهنة، فهو حين يلقي الضوء على تعقيدات وعلى غنى العواقب الذاتية للصدمة، فإنما يتماشى مع طب نفسي ",حديث", يجري محواً لفرادة الفرد.
عدنان حب الله، طبيب نفسي ومحلل مارس في بيروت أثناء حرب لبنان، إنه ينطلق من تجربة عيادية يشاهد وقعها في كل لحظة، إنه يرسم لنا هنا مساراً نظل أمامه أقل لا مبالاة بمقدار ما يكشف إلى إدراكنا أن الأحداث الصادمة موجودة في كل واحد منا.
وهو بعودته إلى النصوص الأساسية، يذكر بأن فرويد قد أشار إلى صعوبة اللاوعي عند أفراد يجابهون صدمة. لأن الصدمة عندما تربط الذات بالحدث تكمل وظيفة تجاهل الأنا، وتحوله عن ما هو جار له في الاستيهام اللاواعي، وعندما تغيب الذات يقتصر الكلام على المصير عن القدر. وربما من أجل هذا أعطى فرويد، فترة فقط، أهمية أكبر لدور الواقع الخارجي على حساب الاستيهام، وعندما اعترف بغلطه انفتح العصر التحليلي الخالص، حيث لم يعد العمل يكمن في إعادة بناء التاريخ تسلسلياً بل في أرضية التاريخ داخل المكبوت من تأويله، أي حفز المريض على سرد مكبوتاته لتأويلها.
وهدفنا هو العودة إلى السمات الكبرى لمسعاه. أمام تنوع المظاهر العيادية حمل عدنان حب الله (على اعتماد تجاربه الخاصة ومعارفه ليكمل عمله).
إن العصاب الصدمي النسياني نموذجه (موديله) حالة ",رجل الذئاب",، ويستفاد منه أن عقدة الخصاء هي الصدمة الأخطر التي يمكن أن يتعرض لها الرجل في حياته، وهي العرض المتكون الذي يبدو وكأنه القراءة الأخيرة لعلاقة الصدمة بالمشهد الأول المنشئ لها.
وإنها أيضاً عيادة متميزة بالنسيان، نسيان الحدث ذاته، ومعه. نسيان كل التصورات المربوطة مباشرة أو مداورة بالصدمة. هذه الآلية يسودها الاستيهام الذي يتشكل انطلاقاً من دخول دال جديد اسمه ",ما بعد الصدمة",، الذي يحاول أن يدخل دال جديد اسمه ",ما بعد الصدمة",، الذي يحاول أن يدخل على السلسلة الدلالية، (فيقلبها رأساً على عقب)، حاله كحال ",نص جديد ندخله على نص مدون في الكمبيوتر (الناظم)، مطلق حرف لاحق أو سابق لا يبقى في مكانه. كل شيء يجب أن يعاد ترتيبه تبعاً للنص المدرج. وبالطريقة ذاتها، إن الواقع الصدمي، ما إن يدخل فجأة إلى الحقل الذاتي، حتى يخلق تغييرات في ترتيب السلسلة الدلالية، لا تستطيع الذات، بعد، البقاء في المكان الذي قبعت فيه من قبل، فهي مضطرة إلى تقديم قراءة جديدة لتاريخها ولعلاقتها بالعالم",.
عبر مسعاه يبين المؤلف هكذا كيف يتعارض مع طب نفسي مأخوذ بالبحث عن الدلالات بهدف وصف التناذرات ومستبعد الذات كمسرح لهذا العرض. إن مثل هذه العيادة لا يمكنها عندئذ إلا الانتهاء إلى منوال سلوكي للظاهرة الصدمية، من نمط ",حافز-جواب- وهو منوال يتخلى عن بعد اللاوعي.
إن الفرضية التي يدعو لها على طول كتابه هي بالتالي فرضية السببية الصدمية (وأثرها) في الجهاز النفسي (كما يدعو) للصدمة كمبدأ توليد الذات. إذ، إذاً كان لا بد لوجود الذات من وجود لغة، فإنه من نقطة نقص الدال (المؤشر)، المتأتي من عصف الواقع، تحدث عملية الترميز. فالنقطة -النقطة التي لا يمكن، بمعنى من المعاني، الإشارة إليها- يمكن أن تكون مواجهة الإنسان بفكرة موته الذاتي كممكن، ",هذا المجهول بامتياز", (حسب قول لا فيناس)، هذا الواقع الذي لا يقبل التسمية، من الواضح أن هذه النقطة غير قابلة للدعم بشكل كاف بحيث نحاول الإحاطة بها، بتكثير الصور الخيالية للموت، المفهوم على أنه من فعل المصادفة، أو وفقاً لنمط منطقي وعقلاني (إنه نهاية حياة) تنسينا، بالوقت نفسه، الموت كموت. إن رفع هذا المستنكر، هذا الأسر المتخيل، الذي يستقوي على أثر رضة، تذكرنا بفكرة الموت، هو الذي يجعل ممكناً هذه العلاقة بالآخر، كمكان ينبثق منه ما في الموت من دلالة.
لقد فهمته الثقافات منذ زمن طويل جداً، فهي حين تؤسس طقوسها الجنائزية، فإنها تخرج قصة، تاريخاً، كوسيطات رمزية، تتيح الانتقال من صورة الجثة، الصورة الفارغة، إلى كتبة الموت في الشأن الاجتماعي، وفي سياق الزمن، وفي فسحة الفضاء، مما يحافظ بالتالي على كيان الذات.
ولكن، إذا وجدنا، وراء هذا المثال الصدمي، الاستيهام في أصل التكرار، فإن عملاً علاجياً يتبدى ضرورياً لمساعدة الذات على استيعاب هذا الدال الجديد ضمن السلسلة الدلالية، وعلى تمكنه بالتالي من التكيف في مواجهة العالم.
من هنا هذا السؤال، الذي لم يتخلف المؤلف عن طرحه طوال كتابه، عن الشروط التي تتيح إقامة عمل تحليلي. لأن المصدوم، في مواجهة ما بعد ",دال للصدمة", يرى نفسه مستبعداً من حقل اللغة. إنه لا يستطيع إلا أن يجسد الحدث، بتضمينه في الآخر، مكان تسجيله الرمزي. ومثله القول بأن الذات تتكشف عاجزة في الحال، عن تحمل ثقل التحول الذي لا يعمل إلا على إحياء الوضع الصدمي، بشكل تهديد بالموت آتيا من المحلل.
كيف يكمن إدخال اللغة كوظيفة توسيطية؟ كيف يعطي المريض إمكانية التعرف على نفسه كذات في معاناته وتكوين عرض أثناء التحول والنقل؟ ما هو الشيء الذي يتيح سماع أكثر مما قد قيل؟ إن المحلل النفسي يجد نفسه هنا مدعواً إلى ترتيب وإلى اختراع إطار ملائم للظروف الذاتية لهؤلاء المرضى.
إنجاز جرئ، لأنه يقتضي التخلي عن دروب معبدة جداً، في العلاج التحليلي الكلاسيكي، مما يوجب على الممارسة أن ينسى معارفه لكي يستعيدها.
يغني كتاب عدنان حسب الله الخطاب الفرويدي، فيلقي ضوءاً جديداً على مفاعيل الصدمة على موقف الذات، في مواجهة الحياة، وفي مواجهة الموت، والآخر انطلاقاً من دال جديد يسمى ",ما بعد الصدمة", وبعيداً عن الاهتمام الذاتي فقط بالأعراض، المعزولة عن سياقها، بقاء المحلل النفسي إلى التعرف بشكل يتيح للذات أن تعثر على مرتكزاتها ضمن هذا الواقع الجديد حيث الموت دائم الحضور.