وصف الكتاب
إن عملية جمع، تحليل، وإطلاق الوثائق وجعلها في متناول الملأ، الوثائق المأخوذة من أنظمة سابقة مغلقة، هذه وتلك حصلت في نهاية الحرب الكونية الثانية، وحصلت كذلك في وقت قريب جداً عقب انهيار الأنظمة الشيوعية في نهاية الحرب الباردة. ومع أن هذا ليس بالأمر غير المألوف في نهاية الحروب أو الثورات، أن تلك التسجيلات التي لم تخضغ لعملية التحرير والأعداد والنشر (أي تسجيلات الأشخاص العاملين في مركز السلطة) تبقى نادرة. وعلى سبيل المثال إذ توجد فقط إحدى عشرة دقيقة من تسجيل صوتي لأدولف هتلر في اجتماعاته الخاصة. هناك حفنة من الحوارات الموجزة، المسجلة سراً على شريط صوتي، مع كيم جونغ الثاني، وكيم أيل سونغ زعيمي كوريا الشمالية... هذه دخلت هي أيضاً إلى الميدان العمومي وباتت في متناول الجميع. بالمقارنة، فإن بضعة آلاف من الساعات من التسجيلات الصوتية والفيديوية لاجتماعات صدام مع أعضاء حاشيته تم إخراجها من العراق. هذه التسجيلات تلقي الضوء على نحو فريد على قرارات النظام، عمليات صنع القرار فيه، وجهات النظر، والشخصيات. وعليه، فإن هذا الكتاب الذي يمثل مجلداً بالكم الكبير لمحتوياته، يزوّد القارئ بمدخل موجز يفتح أمامه آفاق مجموعة واسعة وضخمة من التسجيلات الصوتية (وقليل من شرائط الفيديو) لصدام حسين أثناء اجتماعاته الرسمية وغير الرسمية، والتي استولت القوات الأميركية على نسختها الأصلية، إلى جانب تسجيلات عراقية رسمية أخرى، حصلت عليها من مبانٍ حكومية ومنشآت تابعة لها في داخل بغداد وخارجها خلال المراحل المبكرة لدخولها العراق. وقد تم تهيأتها وإخراجها ونسخ محتوياتها بهدف وضعها بين دفتي هذا الكتاب لتزويد القارئ بمعلومات حول صدام حسين وأسلوبه في الحكم. كما أنها تمتلك إجابات لأسئلة تدور في الأذهان: كيف كانت ردة فعل صدام حيال ضغوطات حروبه؟ كيف كان يتعامل مع العالم الميكافيللي الذي صنعه بنفسه؟ كيف كانت ردة فعله حيال علامات وأفعال المجتمع الدولي في القضايا المتعلقة بالحرب والسلم؟ هل كان ثمة اختلاف بين صدام الرئيس وصدام الإنسان فيما يتصل بالمسائل الحساسة الخاصة بالدولة.
بالإضافة إلى ذلك فإن هذه التسجيلات تقدم مواد معرفية أخرى تتعلق بالعلاقات الدولية، علم النفس السياسي، وهذه وتلك تغني الباحث المعني بالدراسات الشرق – أوسطية إذ أنها تمثل دليلاً تاريخياً للمؤرخ وللباحث على السواء. هذا، وكما يبدو، فإن أغلب النسخ الأصلية التي احتواها هذا المجلد كانت قد تم تسجيلها خلال اجتماعات مجلس قيادة الثورة (وهي الهيئة الرسمية العراقية العليا المعنية بصنع القرارات)، ومجلس الوزراء العراقي، أو إحدى المجموعات العاملة العديدة المعنية بالأمن الوطني، كما أن هناك شرائط أخرى تم تسجيلها أثناء اجتماعات غير رسمية نسبياً لما شبه صدام حسين الداخلية، أو، غالباً، في اجتماعات مع أعضاء أدنى مرتبة من مرتبة القيادين المنتخبين للنظام بمن فيهم ضباط عسكريون على اختلافهم. هذا وإن أجهزة الاستخبارات العراقية هي التي وفرت على الأقل بعض أجهزة التسجيل ليتم تسجيل ما يدور أثناء اجتماعات مجلس الوزراء، وأثناء الاجتماعات التي تضم مسؤولين أجانب، بعد فحصها والتأكد من خلوها من المواد المتفجرة، من أجهزة التنصت الخفية، ومن المواد الكيماوية البيولوجية، والشعاعية الملونة.
وقد كان سكرتير صدام الصحفي هو المسؤول عن النسخ الأصلية من اجتماعات مجلس الوزراء العراقي ولقاءات صدام حسين بالشخصيات الأجنبية رفيعة المستوى، كما أن سكرتير الرئاسي (سكرتير صدام حسين) كان هو المشرف على النسخ الأصلية للسكرتير الصحفي. وهناك معلومة تؤكد بأن هاتف صدام حسين كان يحتوي بشكل واضح على أداة تسجيل، إلا أن ما هو غير واضح هو أين كانت توضع أداة التسجيل هذه. وتبقى آلية عملية التسجيل مبهمة، ومع ذلك ثمة شريط تسجيل واحد يشير إلى أن صدام حسين كان يرغب أن تبقى بعض الموارث سرية بشكل صارم. وذلك كما في حوار مع مستشارين رفيعي المستوى، حيث كان يتجرأ في الخوض في موضوع ",المفقودين العراقيين، السعوديين، والكويتين", وذلك في حرب عام 1991، حينها أمر صدام مستشاريه ",بإغلاق التسجيل",، قبل إخبارهم بأمور ومسائل لا يصلح أن يتم توثيقها.
وأخيراً، فإن هذه التسجيلات تفتح للقارئ نافذة ينظر من خلالها إلى عالم كان يعيش فيه، ذات يوم، أشخاص نظام صدام حسين حين يتمتعون بالسلطة بحذر، وتحيط اللثام عن أحد أكثر الأنظمة غموضاً من أواخر القرن العشرين، وربما سيصبح، بسبب المعلومات التي ضمنتها أشرطة التسجيل هذه واحداً من أكثر الأنظمة شفافية.
خلال حرب 2003 التي أنهتْ نظام صدام حسين، استولتْ قوات التحالف الدولي على آلاف الساعات من التسجيلات السرية للإجتماعات، والإتصالات الهاتفية، والمؤتمرات.
هذه الدراسة، التي أعدها أصلاً (معهد التحليلات الدفاعية) لمكتب نائب وزير الدفاع لشؤون السياسة، تقدم نسخاً طبق الأصل مزودة بالهوامش للتسجيلات الصوتية العراقية للإجتماعات بين صدام وحاشيته.