تحدثنا في كتاب حرب العقل والمعرفة عن المخابرات من زاوية المعرفة والعمل، فأبرزنا أهمية منظمات مخابرات الدول في ميدان إنتاج المعلومات والتقديرات، ودورها في رسم السياسة القومية للدولة كما شرحنا واجباتها ومهماتها المتشعبة، وبينا أساليبها في العمل ووضعها في الدولة.

وقد وعدنا القارئ أن نتحدث في هذا المؤلف عن القسم الضخم من نشاط المخابرات حيث تحشد الدول كل إمكاناتها المادية والعقلية والمعنوية لشن حرب خفية، تستغل فيها العقول كل قدراتها من ذكاء ومهارة ودماء في معارك ضاربة لا تستخدم فيها الأسلحة التقليدية، بل تدور رحاها في شكل معارك ذهنية.

وإذا كان الكثير من الشراح يعارضون فكرة قيام الدول بأعمال سرية، فإن كل الدول تميل في وقت السلم والحرب إلى القيام بالأعمال المستترة، بل أن الدول قد تعارفت تعارفاً تقليدياً منذ زمن بعيد، على أن العمليات السرية قد قبلت على أساس أن هذه العمليات تمد كل دولة بالمرونة التي تعطى لها الوقاية.

والواقع أن الخدمة السرية بنوعيها - الإيجابي والسلبي - لا يمكن أن تستغني عنها دولة في هذا العصر لأسباب عدة: فإن أمنها القومي يتطلب القيام بها، على نحو ما في أعمال الجاسوسية والجاسوسية المضادة، ومن ثم فمن الضروري أن تتم العمليات في الخفاء كما أن العمليات السياسية لا يمكن أن تنجح لو اتضح أن هناك نشاطاً داخلياً تقصده دولة أجنبية، كذلك لا ترغب الدول في الزج بقوى قد تتسبب إخفاق المهمة أو تعدل من التوازن السياسي الدولي.