وصف الكتاب
في سياق البحث عن جذور اللغة الإيطالية، للحديث عن الأدب الإيطالي وسماته يمكن القول بأنه كان للتجزؤ الحاصل من مختلف الاحتلالات البربرية، وللتأثير البيزنطي، أن فككا الوحدة اللغوية التي كانت وطدتها اللاتينية. فهذه اللغة، كانت تأثرت باللهجات المحلية السابقة للرّومنة، وتعدلت بطيئاً مع جهل الشعب لجذورها، ولاحقاً مع دخول تعابير أجنبية إليها (يونانية وعربية في الجنوب، وجرمانية في الشمال). وكل هذا يفسّر قيام اللغات المحلية في تطوّر متزايد. وإن كان للغة اللاتينية أن تصمد وتحاول تنقية ذاتها، فلطابعها كلفة رسمية للإدارة والحقوق والكنيسة والجامعة. ولم يظهر عاميّ لفظها في الأساس؛ إلا على صورة كلمات منثورة ضمن نصوص سليمة، أمكنة معينة، عبارات خطابية، كلمات شعبية، لا تحمل شحنات ثقافية. وهذه الوثائق، المعروفة منذ القرن الرابع، راحت تتكاثر بدءاً من القرن الثامن، وتضاعفت كثيراً في العاشرـ وأقدم ما وصل منها، من القيم المهم، رباعية من القرن الثالث عشر، محفورة في كاتدرائية فيداري. وجاء حافز أجنبي يشجع اللجوء إلى ",العامي", وسيلة تعبير أدبية: فالشعراء الجوّالون (التروبادور)، حملوا، خاصة إلى شمالي إيطاليا، إثبات أن لغة الشعب المحكية جديرة بالتعبير عن أدق المشاعر وأرهفها، كما الحب الفروسي. وإذا بالقصائد البطولية تقدم لإيطاليا مادة عصر ملحمي لم تعرفه في تاريخها، فشخصنت شارلمان وأبطاله، واشتهرت القصائد البروتونية، بعضها يرضي ذوق الشعب، وبعضها الآخر يرضي الطبقة الارستقراطية. وفي صقلية، في بلاط فريدريك الثاني، حاول شعراء (ليسوا جميعهم صقليين) شقّ لغة تخفف من الخصائص المحلية الإيطاليون وتحافظ على مميزات لاتينية متلازمة والأشكال الرومانسية. وكان من شعراء الأسلوب الجديد الفلورنسيين، أن قاموا بعمل مماثل، إلى أن جاء دانته، مركزاً لغته المحلية ومخلّدها بروائعـ وواضعاً الأولولية للهجة التوكسانية التي جعلها اللغة الأدبية في كل إيطاليا. وإلى ذلك، وفيما حافظت التقاليد الادبية اللاتينية على قيمتها، كان أن ولد الأدب العامي، في إيطاليا، متأخراً عن ولادته في فرنسا وإسبانيا. لكن في الوقت نفسه، راح منتحلون يكتبون بالفرنسية مع أواسط القرن الثالث عشر، قصائد أسطورية، ومحاولات كوّنت في ما بعد، ما سُميّ بالقصائد الفروسية، فقام ماركو بولو، من البندقية، يملي بالفرنسية، حكايات أسفاره، وكذلك غيرهما بالبروفانسية، كما أشهر الشعراء الجوالين الإيطاليين سور ديلد الذي خلّده دانته، وبالمقابل، قام رمبوده فاكويراس، فأدخل إحدى المساجلات الغرامية، آراء امرأة من جنوى (1190) باللهجة العامية.
أما في شمال إيطاليا؛ فالمادة الفرنسية التي حملها المتقمشون، أوحت إلى بعض العفويين غير المثقفين، قصائد كتبوها بلهجة فرنسية ممزوجة بلهجة البندقية. وأما الشعر الديني، فرائده القديس فرنسي الآسيزي (1226 - 1182) صاحب ",نشيد المخلوقات", الذي يعبّر، في سذاجته، وباللهجة الأومبرية عن الحب الأخوي لكل ما يصدر عن الله: العناصر والحيوانات، وحتى الموت نفسه، وهذه عملية نِعَم الخالق، متعدي إلى الإيمان بالتناغم الكوني. وقامت الحركة التقشفية، تالية الرسالة الفرنسيسية، ومتمثلة خاصة في تأسيس الأخويات والجمعيات الدينية وظاهرات الجلد، وكانت تلقى في الأماكن العامة بأصوات ",دعاة الله", وهم مبشرون صوفيون. وحين تتخذ هذه القصائد شكل الحوار والطابع المأساوي، تكون البذرة الأولى للمأساة الدينية. وكان جاكدي دي تودي (1306 - 1236) نموذج أولئك الدعاة.
وكان من تنسكه وتطرفه وصراعه ضد بونيفا شيو الثامن، أن صار شخصية مميزة في عصره. وإذا قصائده على عنف شديد وقسوة جارحة. وكانت له رؤى مرعبة، وعطش إلى العذاب والانسحاق في الله، حتى الجنوب بالصليب، وشكواه إلى العذراء في حالة العذاب، تصلح مشهداً موفقاً في مأساة دينية. وعلى غرار ",رواية الوردة", نشأ الأدب التعليمي مع (برونيتو لاتيني) كما على غرار رواية ",رينار", نشأ الأدب الساخر الرمزي [...]
وهكذا يمضي المؤلف بالحديث عن الأدب الإيطالي جذوره اللغوية، بداياته مع الشعر الشعبي والقصائد الفروسية، مدارسه وأهم أدبائه لـ (دانته، بترارك، بوكاشيو، وغيرهم)، ليتحدثا من ثم عن نهضته وتطور شعره، والذي مرّ بمراحل: الكلاسيكية وأهم أدوارها، عصر الكرز موبيليتيه والنور، ثم الدور الرومنتيلي، والرومانتيكية الكلاسيكية ثم المرحلة الانتقالية الذي مر به الأدب الإيطالي وصولاً إلى الأدب الحديث حتى حوالي 1970 متناولاً في هذا الإطار المجلات والتيارات، النثر القصصي، المسرح، الشعر.