وصف الكتاب
ليس هناك شيء أكثر إثارة للإنسان، من الارتباط بعالم غير عالمه الذي يعيش فيه، خصوصاً إذا كان بوسع ذلك العالم، أن يرفع الموانع والحواجز بين الإنسان والماضي، والأصدقاء السالفين، والآباء والأمهات والأجداد، والأروع من ذلك، أن يجعله مطلعاً على حوادث المستقبل.
جهد وسعى الإنسان، لأجل الارتباط بعالم الأرواح، ينبع أيضاً من هذا الظمأ الروحي الحارق. هناك على امتداد التأريخ، كثيرون إدعو أنهم على ارتباط بعالم الأرواح، ولا سيما في شبه القارة الهندية، التي تعتبر أرضية روحية واجتماعية خصبة لهذه الفكرة..... >,
هذا الموضوع ظهر في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي في أمريكا الشمالية، ووصلت أمواجه إلى بريطانيا، ومنها سرت إلى باقي بدان أوروبا. لا بأس بأن نسمع حوادث هذا الموضوع، من ألسنة الأوروبيين أنفسهم.
عالم النفس المعروف (بلاتونف)، في كتابه (علم النفس)، الذي ترجم إلى الفارسية بعنوان ",ميهمانان آن عالم", يكتب: في عام 1848م وفي مدينة ",روجستر", إحدى المدن الأميركية، بدأت تتناقل على ألسن الناس قصة إحضار الروح. وفي تلك السنة ظهر شخص يدعى ",فوكس",، أعلن أنه وأقرباءه يتكلمون مع أرواح الموتى. فوكس وزوجته وبناته الثلاث، كانوا يجلسون خلف منضرة مستديرة، ويرفعون أيديهم فوق المنضرة المفتوحة، في هذه الأثناء يرتفع صوت من المنضدة فيدعون أن ذلك هو صوت الأرواح، ترد على أسئلتهم وسرعان ما ظهر أشخاص في أكثر المدن والعوائل الأميركية، وكانوا يدعون أن أرواح الآخرة على ارتباط بهم. يكتبون حروف الألفباء على أوراق صغيرة، ويضعون عليها طبقاً صغيراً، ويجعلون أحد أصابعهم فوق الطبق، ومن خلال حركة الطبق على الحروف، يستلمون نداء الأرواح. على العموم فإن الأرواح ترغب بأن تحاور الحياء عبر الرابطين أو الوسائط...
طبعاً انتقاد وتخطئة أوامر الأرواح، كان يعد أمراً مناقضاً للأدب والذوق! وكلما كان تفهيم المنضدة أو الطبق بشكل مناجاة، فإنه يكون ذا معان عميقة!
من البديهي أنه في مثل هكذا أوقات، يبلغ سوق المكارين والدجالين أوجه، وبالأخص لأن هذا العمل لا يتطلب رأس مال كبير، ولا يحتاج إلا إلى منضدة دوارة، وورقة وطبق صغير، مع عدة أشخاص ممن يدعي ذلك!
ولهذا فإن عدداً كبيراً من الناس سلك هذا الطريق، في هذا المضمار، وفعلوا ما فعلوا. وشيئاً فشيئاً تحول الأمر إلى عمل مسل، يشبه قراءة الكف، وسل الجنون، وانتهى إلى السخرية والابتذال.
هذا الموضوع كان سبباً لإحياء أسطور ",التناسخ وعودة الأرواح",، واصطفت الأرواح أرتالاً لتأخذ دورها للمجيء إلى هذا العالم. ولعل العلاقة بين موضوع ",ارتباط الأرواح", و",عودة الأرواح إلى هذا العالم",، تهدف منح الصبغة الأبدية للأرواح بل تجرها إلى الأزلية لتتسع دائرة تسلطهم.
وأما مخرجو هذه اللعبة فلأجل التخلص من سماجة بعض الناس، الذي لا ينفكون عن السؤال عن بعض الأرواح، وليريحوا أنفسهم من خطر ظهور بعض الأجوبة المتناقضة، فإنهم يبعثون الأرواح المعنية إلى هذا الدنيا، حتى تقطع بينهم الروابط، إذ عندما تعود الأرواح مجدداً إلى هذه الدنيا، فإنها لا تتذكر شيئاً من الماضي!
هذا الموضوع وبعد 120 عاماً، وبحكم التقليد أو الموضة الأوروبية والأمريكية أو ما شئت فسمة، سرى إلى بلادنا، وشاع فيها بشكل مرض عام.
ومؤلف هذا الكتاب واحد من العلماء الذين تصدوا للحديث عن هذا الموضوع وذلك عبر نشر مقالات متعددة، وإلقاء محاضرات سعت للكشف عن هذه المسالة، وفي الوقت نفسه ذكروا الحيثية الصحيحة لإمكان الارتباط بالأرواح بالطرق العلمية. والكتاب الذي بين أيدينا (والذي يضم تلك الأبحاث إلى جانب بعض الأبحاث الحديثة)، يتناول المواضيع الآتية: ما مدى صحة قصة المنضدة المستديرة وما شابتها. هل قضية تكرار الحياة وعودة الأرواح، التي نصطلح عليها علمياً بالتناسخ، وتعرف عند الهنود بـ",كارما",، حقيقة أم خرافة؟، هل بالإمكان الارتباط بالأرواح؟