تعتبر قصة حياة الإنسان منذ لحظة الإخصاب وحتى الوفاة دراما إنسانية على درجة كبيرة من الأهمية والإثارة، تكشف تفاصيلها بوضوح عن درجة التعقيد التي تكون عليها التغيرات المتداخلة والمترابطة في مختلف مراحل التطور الإنساني، هذه القصة ليست غريبة عنا جميعاً، إنها قصتي وقصتك وقصة الآخرين من بني البشر، إنها قصة مثيرة تدفعنا إلى التأمل في كيفية تطورنا منذ فترة طويلة قبل الولادة وفي مرحلة الرضاعة والطفولة والمراهقة وصولاً إلى نهاية هذه الرحلة.

وخلال إطلاعك على فصول هذه القصة ستجد نفسك غارقاً في التأمل لاختبار جوانب حياتك المختلفة، لتتعلم بقدر ما تستطيع الكثير حول العوامل التي جعلتك تبدو على ما أنت عليه الآن، وسوف تدفعك هذه القصة وأنت تنتقل بين فصولها المتتابعة التأكل في رحلة حياو الكثيرين ممن يعيشون حولك، سواء ممن هم في إطار عائلتك الصغير أو عائلتك الإنسانية الكبيرة في مختلف بقاع الأرض.

وبطبيعة الحال فإن إطلاعك على فصول هذا الكتاب سيجعلك قادراً على تفسير الكثير من ظواهر تطور الإنسان، والنظر إليها بطريقة علمية تساعدك في بناء الكثير من الأدلة والشواهد على الجوانب النظرية التي ستجدها بين طيات هذا الكتاب، والتي كانت حصيلة جهود مضنية بذلها الإنسان منذ وجوده إلى سطح هذا الكوكب في محاولة منه لفك الرموز المعقدة لتطور الإنسان، هذا المخلوق العجيب الذي خلقه الله سبحانه وتعالى وأتقن خلقه.

ويهدف هذا المؤلف إلى التأكيد على استمرار التطور خلال دورة حياة الإنسان، بالرغن من اقتصاره على معالجة التطور الإنساني حتى نهاية مرحلة المراهقة، من خلال التعرف على الكيفية التي تؤثر فيها الخبرات في مرحلة من حياة الإنسان على تطوره مستقبلاً، بالإضافة إلى فهم الكيفية التي يتأثر فيها الآخرون بجيناتهم وعائلاتهم والعالم الذي يعيشون فيه، كما يهدف إلى النظر إلى نتائج الدراسات العلمية والنظريات الاجتماعية المختلفة، واستخدامها في فهم طبيعة الجنس البشري، ولعل في هذا المؤلف ما يجيب عن الكثير من التساؤلات حول العوامل التي جعلت الإنسان المعاصر يعيش بالطريقة التي هو عليها الآن، بالإضافة إلى العوامل التي يمكن أن تؤثر في حياته مستقبلاً.

أما فيما يتعلق بتنظيم هذا المؤلف، فهناك منحيان رئيسيان للكتابة حول التطور الإنساني، يطلق على الأول المنحى الزمني، حيث ينظر هذا لمنحى إلى جميع جوانب التطور الإنساني في مراحل الحياة المختلفة، أما الثاني فيطلق عليه منحى الموضوعات، حيث يتابع هذا المنحى أحد جوانب التطور في الفترات العمرية المختلفة، وقد اختار المؤلف في هذا المؤلف المنحى الأول باعتباره يوفر إحساساً بتناول مختلف جوانب التطور الإنساني في كل مرحلة على حدة، الأمر الذي يساعد في تشكيل نظرة شمولية تتبع نمطاً متسلسلاً مع الإنسان في رحلة حياته منذ لحظة الإخصاب وحتى نهاية مرحلة المراهقة.

وتمشياً مع المنحى الزمني تم تقسيم هذا الكتاب إلى ثمانية فصول، تناول الفصل الأول المدخل إلى التطور عند الإنسان، حيث تم التعريف بعلم النفس التطوري، وجوانب التطور عند الإنسان ولمحة تاريخية حول علم النفس التطوري وأهميته ومفاهيمه وقضاياه ومبادئه الأساسية وأخيراً مناهج البحث في علم النفس التطوري. وناقش الفصل الثاني العوامل المؤثرة في التطور السوي أو في حدوث المشكلات التطورية لدى الفرد في مراحل تطوره المختلفة.

أما الفصل الثالث فقد تناول نظريات التطور الإنساني حيث تم التعريف بنظريات التحليل النفسي ونظريات التعلم والنظريات الإنسانية والمعرفية والإيثولوجية وألإيكولوجية. وتناول الفصل الرابع مرحلة ما قبل الإنجاب والولادة، وعلى وجه الخصوص الحمل ومراحله والمخاطر الشائعة وأهمية الرعاية الصحية للأم الحامل, وركز الفصل الخامس على مرحلة الرضاعة والتغيرات الجسمية والمعرفية والانفعالية الاجتماعية والمشكلات ذات جوانب التطور فيها. أما الفصل السابع فقد تناول مرحلة الطفولة المتوسطة والمتأخرة حيث تم تناول التطور الجسمي والمعرفي والانفعالي والاجتماعي مع التركيز على المشكلات التطورية المتوقعة في هذه المرحلة، وأخيراً تناول هذا الكتاب في فصله الثامن والأخير مرحلة المراهقة التي يتزايد الاهتمام بها في المجتمعات العربية التي يشكل المراهقون فيها نسبة كبيرة، وكما هو الحال بالنسبة للمراحل الأخرى فقد تناول هذا الفصل النواحي الجسمية والمعرفية والانفعالية والاجتماعية وبعض المشكلات ذات العلاقة بهذه الجوانب.