الرئيسية

/ جورج أوريل

/

/ رواية 1984

المصدر : azema

الملخص

شَهِدت كتابات جورج أورويل طفرة في شعبيتها على مدى العقد الماضي ولسبب بسيط – حيث أصبحت مجتمعاتنا الحديثة أكثر من أي وقت مضى تُشابه المجتمع الديستوبي و “الواقع المرير” الموضّح في كتاب أورويل الأكثر شهرة، رواية 1984 .

المجتمع الديستوبي: أدب المدينة الفاسدة أو ديستوبيا أو عالم الواقع المرير (بالإنجليزية: Dystopia) هو مجتمع خيالي، فاسد أو مخيف أو غير مرغوب فيه بطريقة ما. وقد تعني الديستوبيا مجتمع غير فاضل تسوده الفوضىٰ، فهو عالم وهمي ليس للخير فيه مكان، يحكمه الشر المطلق، ومن أبرز ملامحه الخراب، والقتل والقمع والفقر والمرض، بإختصار هو عالم يتجرد فيه الإنسان من إنسانيته يتحوّل فيه المجتمع إلىٰ مجموعة من المسوخ تناحر بعضها بعضاً.
ليس من المستغرب أن يرى الكثيرون أن رواية 1984 الغريبة لأورويل مرآة كذلك لغرابة الواقع الذي نعيشه ومن نواح كثيرة سواء كان ذلك بسبب المراقبة الجماعية، أو الاستخدام المتواصل للدعاية، أو الحروب الدائمة، أو تأليه الشخصيات المشهورة بالمجتمع. مع ذلك، لا يزال الغرب أكثر تحرراً من المجتمع البائس في رواية 1984 ، لكن هذا الاتجاه لا يبشر بالخير بالنسبة لأولئك الذين يُفضّلون المجتمع الحر. اعتقد أورويل، في الواقع، أن الشمولية، وهي النوع الذي سَخِر منه في روايته، كانت احتمالاً قائماً وواضحاً بالنسبة للغرب، وفي بعض الأحيان ذهب إلى أبعد من ذلك ليشير إلى أنه قد تكون في الواقع أمراً لا مفر منه.

“من المؤكد أننا نتحرك في عصر الديكتاتوريات الشمولية”.

(جورج أورويل، الأعمال الكاملة – المجلد الثاني عشر)
في هذا المقال سوف ننظر في أسباب تشاؤم أورويل في رواية 1984 ، مع التركيز على اثنين من الاتجاهات الرئيسية على وجه الخصوص – الحركة نحو الجماعية وظهور مذهب اللذة والمتعة. وقبل أن تكمِل ذَكِّر نفسك بهذين التعريفين المُهمّين:

الجماعية (Collectivism) هو المصطلح المستخدم لوصف أي وجهة نظر أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية تشدد على أهمية التواكل المتبادل بين أفراد المجتمع. والجماعيون بشكل عام يرغبون بإعطاء أولوية لأهداف المجتمع كافة فوق وأحياناً على حساب أهداف الفرد. فالمجتمع -بنظرهم- ذو قيمة أكبر من الأفراد الذين يكونونه. بمعنى آخر، الجماعية عكس الفردية [اقرأ وسائل التواصل الاجتماعي وسيكولوجية الشعور بالوحدة]، أي أن ثقافات المجتمعات قد تكون جماعية او فردية.
وهذا تعريف لمذهب اللذة أو المتعة:

مذهب اللذة: هي مدرسة فكرية تعتقد بأن المتعة هي القيمة الجوهرية. وبشكل مبسط إنها تسعى لتحقيق أقصى قدر من المتعة للساعي وراءها.
الجماعية هي عقيدة، أو مجموعة من الأيديولوجيات، تُعطى فيها أهداف جماعية معينة، مثل الدولة أو الأمة أو المجتمع، الأسبقية على أهداف الأفراد. الاشتراكية والشيوعية والقومية والفاشية كلها أيديولوجيات جماعية. اعتقد أورويل أن الشرط المُسبق لصعود الشمولية كان ظهور بُنية اجتماعية جماعية لأن هذا يسمح بمركزية السلطة اللازمة لممارسة السيطرة المجتمعية الكاملة. أثبتت رؤية أورويل للعلاقة بين الشمولية والجماعية أنها مُحيرّة لأن أورويل كان يسارياً قوياً وناقداً للرأسمالية واشتراكياً. كيف يمكن للشخص فَضّل الاشتراكية، وهي أيديولوجية جماعية، أن يكتب في الوقت نفسه رواية عن مجتمع بائس يُصوِّر مجتمعاً جماعياً يعيش بطريقة مروعة وبائسة؟ لفهم موقفه، يجب أولاً إدراك أن أورويل لم يعتبر الرأسمالية نظاماً قابلاً للتطبيق:

“ليس من المؤكد أن الاشتراكية تفوق الرأسمالية بكل السبل، لكن من المؤكد أنها، على عكس الرأسمالية، يمكنها حل مشكلات الإنتاج والاستهلاك”.

(جورج أورويل، الأعمال الكاملة – المجلد الثاني عشر)
كانت الرأسمالية في ذهن أورويل مثل نظام قاصر غير كافٍ، لأنه مثل العديد من اليساريين في عصره، كان يعتقد أنه في فراش الموت وسيتم استبداله قريباً بشكل من أشكال الجماعية. ورأى أن هذا أمرٌ لا مفر منه. كانت قضية أورويل هي نوع الجماعية التي ستحل محلها.

“السؤال الحقيقي … هو ما إذا كانت الرأسمالية، المحكوم عليها بالهلاك بوضوح، هي إفساح المجال للأوليغارشية [أو الاستبداد] أو الديمقراطية الحقيقية [الاشتراكية الديمقراطية]”.

(جورج أورويل، الأعمال الكاملة – المجلد الثامن عشر)
الاشتراكية الديمقراطية (بالإنكليزية: democratic socialism) هو وصف تستخدمه الحركات الاشتراكية والمنظمات المختلفة، للتأكيد على الطابع الديمقراطي لميولها السياسية. تؤيد الاشتراكية الديمقراطية إقامة ديمقراطية اقتصادية لامركزية و تعارض الحركات السياسية التي تلجأ إلى الاستبدادية و التسلطية، مثل الستالينية, كوسيلة لتحقيق الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية.
بعد الموت الوشيك للرأسمالية، أعرب أورويل عن أمله في تبني الاشتراكية الديمقراطية في الغرب. دعا الاشتراكيون الديمقراطيون، مثل أورويل، إلى اقتصاد مخطط مركزياً، وتأميم جميع الصناعات الرئيسية، وتراجع جذري في عدم المساواة في الثروة. وكانوا أيضاً من المؤيدين الأقوياء للحريات المدنية مثل حرية التعبير وحرية التجمع، والتي كانوا يأملون في الحفاظ عليها في مجتمع يحرم الناس إلى حد كبير من حرياتهم الاقتصادية.

لكن المشكلة، التي كان على أورويل والاشتراكيين الآخرين معالجتها، هي عدم وجود أمثلة، سواء في الماضي أو الحاضر، لأي دولة تبنت بنجاح اشتراكية ديمقراطية. والأسوأ من ذلك أن الدول التي تحولت إلى الجماعية في النصف الأول من القرن العشرين، مثل ألمانيا النازية وروسيا السوفيتية، أصبحت شمولية على نحو متزايد – لقد تبنت ما سماه أورويل “حكم القلة” أو الاوليغاركية وليس الاشتراكية الديمقراطية. حكم القلة هي نظام يقوم فيه عدد قليل من النخبة تحت ستار أيديولوجية جماعية معينة بتعزيز ومركزة السلطة باستخدام القوة والخداع. بمجرد سحق هؤلاء القلة، لا يتحرر اقتصادي المواطنين فحسب، وهي خطوة فضلها الاشتراكيون مثل أورويل، ولكن تتحرر حقوقهم المدنية أيضاً. كان أورويل يشعر بالقلق من أنه بعد زوال الرأسمالية، ربما استسلم العالم الغربي بأسره لجماعة القلة. كان هذا الخوف في جزء منه بسبب تصوره أن مذهب المتعة في تزايد في المجتمعات الغربية.

مذهب المتعة هو موقف أخلاقي يؤكد أن الهدف النهائي للحياة يجب أن يكون تحقيق أقصى قدر من المتعة وتقليل الألم والانزعاج. في الغرب الحضري والمستهلك بشكل متزايد، اعتقد أورويل أن العديد من الناس كانوا يبنون حياتهم بطريقة مبهجة وهذا لا يبشر بالخير بالنسبة لحرية الحضارة الغربية. ووفقاً لأورويل، فإن أسلوب الحياة اللطيف يضعف الناس [اقرأ علم نفس المرونة – الازدهار في الشدائد والمرونة في مواجهة التحديات] ، مما يجعلهم ضعفاء وغير قادرين على تصعيد أي مقاومة للأيديولوجيين المتعصبين الذين يرغبون في الحكم على المجتمع. هذا الخوف الذي عبّر عنه أورويل ثبت أن لا أساس له من الصحة حتى هذه المرحلة. في حين أن الغرب، منذ وفاته في عام 1950، أصبح في كثير من النواحي أكثر سعيّ نحو المتعة، إلا أن هذا لم يؤد إلى سيطرة دكتاتوريين شموليين على السلطة. بدلاً من ذلك، قد يكون لدى “ألدوس هكسلي” مؤلف رواية شهيرة أخرى عن مجتمع بائس من القرن العشرين بعنوان “عالم جديد شجاع “، فهم أفضل للطريقة التي أصبحت بها المجتمعات الغربية مستعرة في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين.

كان هكسلي، مثل أورويل، مناهضاً للساعين للمتعة، لكن كرهه لمذهب المتعة يختلف عن أورويل. كان الشاغل الرئيسي لهوكسلي هو أن مذهب المتعة يمكن أن يُستخدم كأداة فعالة لقمع المجتمع لأن الناس سوف يتخلون عن طيب خاطر عن الحرية في مقابل “المتعة الحسية والاستهلاك اللانهائي”. إذا كان بالإمكان هيكلة مجتمع حتى يتمكن الناس من تكريس الكثير من وقتهم لملاحقة الملذات والرغبات المادية المرضية، وحتى تخدير أنفسهم للهروب من الواقع، فإن الإقناع والتكيف، بدلاً من الإكراه البدني، سيكونان كافيين لممارسة السيطرة الشديدة على أي مجتمع. “نيل بوستمان” في كتابه “نسلي أنفسنا حتى الموت” يتناقض بشكل جيد مع المخاوف المختلفة لأورويل وهكسلي:

ما كان يخشاه أورويل هو أولئك الذين سيحظرون الكتب. ما كان يخشاه هكسلي هو أنه لن يكون هناك أي سبب لحظر أي كتاب، لأنه لن يكون هناك أي شخص يريد أن يقرأ بالمقام الاول[اقرأ فوائد قراءة الكتب العظيمة التي مرّت في تاريخ الانسانية] … يخشى أورويل أن يتم إخفاء الحقيقة عنا. خّشِي هكسلي أن تَغرق الحقيقة في بحر لا أهمية له. يخشى أورويل أن نصبح ثقافة تافهة وسخيفة [اقرأ لماذا يُعزّز هدف حياتك وانضباطك راحتك النفسية]. خشي هكسلي من أننا سنصبح ثقافة تافهة[اقرأ أسطورة المعنى في أعمال كارل يونغ] … في رواية 1984 يتم التحكم في الناس عن طريق التسبب بالألم. في رواية” عالم جديد شجاع “، يتم التحكم فيهم عن طريق اعطائهم احساس اللّذة. باختصار، خشي أورويل من أن ما نخشاه سيدمرنا. خشي هكسلي من أن ما نرغب فيه سوف يدمرنا “.)

“نيل بوستمان” – “نسلي أنفسنا حتى الموت”
يبدو أن الغرب يجد نفسه في وضع يشبه إلى حد ما ما كان يخشى منه هكسلي. على غرار الضفدع في الماء المغلي

الضفدع المغلي هو مصطلح يشير إلى قصة شائعة تقول بأن الضفدع سوف يقفز فوراً عندما يوضع في ماء حار. بينما إذا وضِع في الماء وهو معتدل الحرارة ثم تم تسخينه ببطء فإن الضفدع لن يقفز وسيبقى في الماء حتى بعدما يصير حاراً جداً لأنه لن يشعر بالخطر التدريجي الحاصل وبذلك يموت عندما تبلغ درجة حرارة الماء قدراً مميتاً.
يَقبَل المواطنون في الغرب تدخلات أكبر وأكبر في حرياتهم وبدون مقاومة تذكر. إن الإكراه الجسدي العلني الذي اعتقد أورويل أنه سيكون مطلوباً لاستعباد مجتمع أثبت أنه غير ضروري حتى الآن. قبل استبعاد مخاوف أورويل تماماً، تجدر الإشارة إلى أن أورويل كان على دراية بموقف هكسلي ولم ينكر أن المجتمع المهتم به هكسلي كان احتمالاً. لكنه رأى أنه مرحلة مؤقتة لخلق الظروف المثالية للنظام الأكثر وحشية للسيطرة وفرض ذلك على إرادة المجتمع. ما إذا كان سيتم إثبات صحة نظرية أورويل في النهاية أم لا، يبقى أن نرى ذلك بأنفسنا. ومع ذلك، كما أوضحنا، لم يعتقد أورويل أن الشمولية التي يخشى أن تظهر في مجتمع ما ستتحقق دون أن يصبح مجتمعا جماعياً أولاً. لذا ربما يكون ما حال دون أن تتحقق مخاوفه حتى الآن هو أن الرأسمالية لم تموت كما كان يعتقد وأنها ستنجح والجماعية لم تظهر بعد بشكل كامل في الغرب.

من هو جورج أورويل ؟
جورج أورويل
جورج أورويل
جورج أورويل هو صحافي وروائي بريطاني. يشتهر عمله بالوضوح والذكاء وخفة الدم، والتحذير من غياب العدالة الاجتماعية ومعارضة الحكم الشمولي وإيمانه بالاشتراكية الديمقراطية. يعتبر القرن العشرين أفضل القرون التي أرّخت الثقافة الإنجليزية، كتب أورويل في النقد الأدبي والشعر الخيالي والصحافة الجدلية. أكثر عمل عرف به هو عمله الديستوبي رواية 1984 التي كتبها في عام 1949م وروايته المجازية مزرعة الحيوان عام 1945م والإثنين تم بيع نسخهم معا أكثر من أي كتاب آخر لأي من كُتّاب القرن العشرين.

المجتمعتلخيصجورججورج أورويلروايةرواية 1984ملخص
Previous PostNext Post
قد يعجبك أيضاً
مارس 28, 2019

انجيل توما السري
مارس 16, 2020

فيروس كورونا : المُعلِّم ورفيق الدرب | أجمل 5 دروس لقّنها للبشرية
يونيو 28, 2019

المجموعة الكاملة لكتب علاء الحلبي | مع إمكانية التحميل
اترك تعليقاً
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليق *

الاسم *

البريد الإلكتروني *

الموقع الإلكتروني

ما هي عزيمة


مرحباً بكم في عزيمة، منصة رقمية تقدم محتوى عربي أصيل مجاني عبر مدونة وبث صوتي لمواضيع من علم النفس وملخصات كتب وعبر من الحياة واختبارات شخصية.

فريق عزيمة
الأحدث
نيتشه والمساواة: الاستياء والانتقام والعدالة – هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟
عقدة يونس والخوف من العظمة | هل البشر أقرب لآله أم دودة؟
كارل يونغ | عقد النقص في أهم استحقاق للانسان في تنمية وبناء الشخصية العظيمة المتفوقة
سيكولوجية الرداءة والسعي وراء المُثل العليا
طبوغرافيا الدموع | صورة مصغرة لتجربتنا الإنسانية
أحدث التعليقات
عمر على علم النفس الوجودي: قراءة جديدة شاملة من ثلاثة أجزاء | الجزء الأول
ahmadjod على الإلياذة – ملخص أعظم ملحمة على الإطلاق تقص أحداث حرب طاحنة بين الأغريق والطرواديين
Mahdi على الإلياذة – ملخص أعظم ملحمة على الإطلاق تقص أحداث حرب طاحنة بين الأغريق والطرواديين
HISHAM AL BAQER على أعظم 15 مقطوعة موسيقية كلاسيكية في تاريخ الإنسانيّة | مع امكانية الاستماع والتحميل
سعيد ابكر على ما هي العدمية: من نيتشيه إلى العدمية الوجودية
وسوم
أدب أفضل رواية الأنا التضحية الحسد الحقيقة الحيوان البشري السعادة السيطرة الفراغ المجتمع المساواة الموت النبي النفس البشرية الوجودية الوعي اوبرا وينفري تحليل تحميل تلخيص توما جبران جبران خليل جبران درب السعادة رواية عزيمة علم النفس علم النفس الوجودي علم نفس فرويد فلسفة فن كارل يونغ كتاب كتاب اوبرا وينفري ما اعرفه على وجه اليقين كتاب ما اعرفه على وجه اليقين ما اعرفه على وجه اليقين ماذا تريد معنى الحياة