وصف الكتاب
في كتابه الأخير انبعاث إمبراطورية سعى رشيد الخالدي لإثبات أن الولايات المتحدة الأمريكية بغزوها للعراق إنما تقتدي، عن قصد أو دون قصد بالنهج الذي تنبته الإمبراطوريات الأوروبية الاستعمارية في الشرق الأوسط، ولنا جميعاً أن نحكم بأنفسنا إن كان التاريخ قد أعاد نفسه حقاً في العراق حين نرى في دونالد رامسفيلد وزلماي خليل زاد صورتين معاصرتين لكل من ونستون تشرتشل والسير بيرسي كوكس، على التوالي. وعلى أية حال، فليس هذا هو الموضوع الرئيسي للبحث في هذا الكراس فهو بدلاً من ذلك يعرض تقييماً لبعض التداعيات الدولية الأوسع نطاقاً للغزو طيلة السنوات الثلاث التي أعقبت الاحتلال الأمريكي للعراق، ليتناول بشكل موجز التأثير الذي يمكن للعرب الأمريكيين إحداثه، على ضآلته، في صياغة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط واحتمالات تطوره مستقبلاً.
ويبدو أن غزو العراق واحتلاله قد جاء ليؤشرا بداية مرحلة جديدة من مراحل الهيمنة الأمريكية على العالم، سواء جاز للمرء أو لم يجز له أن يطلق وصف ",الإمبراطورية", على هذه المرحلة. فهي تختلف جوهرياً عما سبقها من صيغ مبكرة لهذه الهيمنة اليت أفرزتها الحرب العالمية الثانية، والتي كانت تمارس عموماً بصورة غير مباشرة أو من خلال تحالفات متعددة الأطراف أو نظم حاكمة محلية، وبعض هذه الأخيرة يتم تنصيبه نتيجة تداخلات أمريكية، سواء في الخفاء أو العلن، وتتخذ أشكالاً عدة منها تمويل نشاطات الحركات المعادية للأحزاب الشيوعية في أوربا الغربية، ومنها تدريب ضباط عسكريين تمهيداً لاستيلائهم على السلطة في دول منطقتي أمريكا اللاتينية وشرق آسيا وغيرهما. وبرغم ذلك، وفي خارج إطار البيئة ",التقليدية", للتدخلات الاستعمارية الأمريكية في مناطق حوض الكاريبي وأمريكا الوسطى والفلبين إثر الحرب الإسبانية-الأمريكية عام 1898، فإن الحكومات المحلية المشار إليها لم تكن تقام عموماً نتيجة غزو لبلدان هذه المناطق واحتلالها وإعادة بنائها ابتداءً من نقطة الصفر على أيدي الأمريكيين، وهو ما كانت القوى الاستعمارية تفعله في عموم أرجاء الأرض على امتداد القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وهو أيضاً ما أريد القيام به في العراق بعد غزوه واحتلاله في آذار/مارس 2003. ومن هنا، فإن هذه الحرب إنما تمثل منطلقاً جديداً في عصر هيمنة أمريكا على العالم التي لا ينازعها عليها أحد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة.