وصف الكتاب
المسرح في أحد أهم وأجمل مظاهره احتفال جماعي بالكلمة لحوارية. كل المجتمعات تحتفل بالكلمات، لكن المسرح هو الإحتفال الفني والإجتماعي الذي يشخص ويجسد الحوارية في كل دلالاتها. لكن، وعلى الرغم من أهمية المسرح في حياة الشعوب عامة، وفي حياة الشعوب العربية على وجه الخصوص؛ ظل الإنتاج المسرحي بأبعاده الفكرية والإدارية والإقتصادية واحداً من إشكاليات المسرح العربي، ويكاد يستعصي على الدولة أن تنشىء مؤسسة مستقلة للإنتاج المسرحي بجميع أطيافه، أو حتى ضمن الإتجاه الواحد، والبعد من ذلك تلك الظاهرة التي شهد المسرح تراجعاً كبيراً للمسارح الوطنية والقومية التي بنتها دول كمصر والعراق والتونس والمغرب وغيرها وحلّت محلها الفرق أو الجماعات المسرحية الخاصة التي ترتبط عادة بمخرج أو ممثل أو مجموعة ممثلين من النجوم أو ممن يجمعهم انسجام فكري محدد وحلّت محلها أيضاً مؤسسات ذات اهتمام خاص بالتجريب والمشاريع التي قادتها بعض وزارات الثقافة ... وفي دول الخليج العربي انفلت زمام الإنتاج المسرحي من يد الفرقة المسرحية الأهلية التي وضعت أسس الحركة المسرحية على مدى أربعة أو خمسة عقود. فقد ظهرت مؤسسات الإنتاج الخاصة التي موّلها بعض نجوم المسرح الذين عُرفوا محلياً وعربياً، ومضوا في إنتاج أعمال كثيرة يتوزعها اتجاهان هما: الكوميديا ومسرح الطفل ولم ينقطع الإنتاج المسرحي بآلياته التقليدية في المسارح الأهلية، لقد مضى بطيئاً يتراوح بين القوة والضعف، لكنه إنتاج يضع عينه على نجاحات الإنتاج المسرحي في المؤسسات الخاصة وما يحققه من إيرادات ضخمة وقبول واسع بيني الجمهور وقنوات الإتصال في سياق هذا الظرف كانت ثقافة المسرح الجاد بنصوصه وأصوله الفكرية العميقة هو الذي يتراجع فكان - لذلك - عاملاً في ظهور فرق صغيرة اخترقت الواقع المسرحي بجسارة وبإمكانيات (مادية) وآليات إنتاجية فقيرة جداً .. هذه الفرق ظهر إنتاجها عبر مراكز وأندية وجمعيات ثقافية .. خرجت بوصفها جماعات مسرحية تبحث عن معنى جديد للمسرح يناقض أنماط المسارح التي درج عليها المتفرج العربي .. وقد اختارت هذه الجماعات لغتها الخاصة بها، وانطلقت نحو فضاءات جديدة لا تتطلب شروطاً إنتاجية كبيرة وتكلفة عالية، كما اختارت عناصر شبابية لم تخطّ أقدامها فوق مسرح تقليدي .. هذه الجماعات البكر شكّلت تحرراً صارخاً على الإنتاج المسرحي التقليدي، بل إنها صاغت تحدياً قوياً له .. ومع ذلك، وعلى الرغم مما حققه هذا النمط من الإنتاج المسرحي من الجرأة والإضافات الفنية وخاصة في سياق التجريب الجماعي؛ إلا أنه وقف أمام إشكالية التواصل مع المتفرج لأسباب كثيرة من أهمها لغة العرض وانفراط مفرداته من نطاق التحقق الدرامي. لقد آلت أنماط الإنتاج المسرحي بآلياته المختلفة إلى الإنفتاح على مجتمع جديد تخطته انعطافات صعبة وهامة منها: تطور وسائط الإتصال، وتكنولوجيا المعلومات (الإعلام الجديد)، وتحوّل الإنتاج المسرحي والدرامي بشكل عام إلى شروط الإنتاج التي يعمل بها سوق العمل، والذي أصبح واحداً من الصناعات الثقافية التي تقف وراءها كبرى شركات الإنتاج والصناعة، ثم أضافت القنوات الفضائية تحولاً أكبر وأكثر تحدياً من ذلك كله أيضاً. كل ذلك شكّل أفقاً مضطرباً للإنتاج المسرحي، كانت الفرق المسرحية الأهلية، والمسارح الوطنية أكثر ضحاياه. من هنا جاءت فكرة انعقاد هذه الندوة الفكرية في دولة الكويت من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب تحت عنوان ",الإنتاج المسرحي وآلياته",. وقد كان هدف الندوة الأول هو وضع نمط الإنتاج المسرحي في الفرق المسرحية الأهلية في دول مجلس التعاون في محك مباشر مع الأنماط الأخرى. ونظراً لأهمية أعمال هذه الندوة التي كان الهم الأساسي للمشاركين فيها من باحثين ومسرحيين صياغة مقارنات بين أنماط الإنتاج المختلفة وذلك ليتمكن المعنيون في هذا المجال من إعادة النظر في آليات الإنتاج المسرحي التي درج عليها المسرحيون في الفرق المسرحية الأهلية، من أجل ذلك كله تم العمل على إصدار هذا الكتاب التي ضم مجموعة من الأبحاث، بإمكان القارىء ، من خلالها، إدراك التنوع في مؤسسات الإنتاج المسرحي التي انطلق منها المشاركون في تلك الندوة، حيث وضعوا صورة تعكس واقع المسرح المسرح العربي الراهن.